سورة النور - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ (44)}
يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة، وهو الإزجاء {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} أي: يجمعه بعد تفرقه، {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} أي: متراكمًا، أي: يركب بعضه بعضًا، {فَتَرَى الْوَدْقَ} أي المطر {يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أي: من خَلَله.
وكذا قرأها ابن عباس والضحاك.
قال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المثيرة فَتَقُمّ الأرض قمًا، ثم يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح السحاب. رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، رحمهما الله.
وقوله: {وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}: قال بعض النحاة: {من} الأولى: لابتداء الغاية، والثانية: للتبعيض، والثالثة: لبيان الجنس. وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله: {مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} ومعناه: أن في السماء جبالَ بَرَد ينزل الله منها البرد. وأما من جعل الجبال هاهنا عبارة عن السحاب، فإن {من} الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا، لكنها بَدَل من الأولى، والله أعلم.
وقوله: {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} يحتمل أن يكون المراد بقوله: {فَيُصِيبُ بِهِ} أي: بما ينزل من السماء من نوعي البرد والمطر فيكون قوله: {فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} رحمة لهم، {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} أي: يؤخر عنهم الغيث.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله: {فَيُصِيبُ بِهِ} أي: بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم. ويصرفه عمن يشاء أي: رحمة بهم.
وقوله: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ} أي: يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته.
وقوله {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي: يتصرف فيهما، فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى يعتدلا ثم يأخذ من هذا في هذا، فيطول الذي كان قصيرًا، ويقصر الذي كان طويلا. والله هو المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ} أي: لدليلا على عظمته تعالى، كما قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} [آل عمران: 190]. وما بعدها من الآيات الكريمات.


{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}.
يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم، في خلقه أنواع المخلوقات. على اختلاف أشكالها وألوانها، وحركاتها وسكناتها، من ماء واحد، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} كالحية وما شاكلها، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} كالإنسان والطير، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} كالأنعام وسائر الحيوانات؛ ولهذا قال: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} أي: بقدرته؛ لأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.


{لَقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)}.
يقرر تعالى أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم والأمثال البينة المحكمة، كثيرًا جدًا، وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر والنهى؛ ولهذا قال: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11